المساهمات : 31 تاريخ التسجيل : 19/01/2008 العمر : 34
موضوع: الإخفاق بشرف خير من النجاح بغش الأحد يناير 20, 2008 2:53 pm
(( الإخفاق بشرف خير من النجاح بغش ))
إن المتأمل في واقع الناس ليجدن أن أكثرهم يمارسون صوراً من الغش لتدبير شؤونهم اليومية وذلك في مختلف مجالات الحياة: في البيع والشراء، والإدارة، والزواج، والامتحانات... إذ أصبح من نافلة القول أنّ الغش، حتى الطفيف منه، هو مظهر يومي في الحياة لا يستطيع الإنسان تفاديه، ولا الحيلولة دونه، وإن دعي للمشاركة في العمليّة لمصلحة مادية يجنيها أو أمنية غالية يحققها لا يعترض غالبا، إنّما يعرض المساعدة بكل طيب خاطر وبدون أدنى تأنيب للضمير. ويعتبر الغش في الامتحانات من أخطر هذه الظواهر على الإطلاق، إذ هي أصل البلاء والبلوى لما لها من تأثير أوسع على حياة الإنسان والمجتمع حوله. وهي ظاهرة سلوكية سيئة من عدم الأمانة أو الخداع عن عمد، يمارسها كل من ألف واستطاب الرقي على أكتاف الآخرين، وسرقة النجاح بدلا من البحث عنه، لتمرير مقررات دراسية دون إعارة أي اعتبار لتعلم المادة الممتحنة،أو تقديم رسالة ما في موضوع ما لا تسمن ولا تغني من جوع إلا لصاحبها، دون أدنى شعور شخصي بالأهمية القصوى والمصداقية والنتائج المميزة التي من الواجب أن يضفيها ذلك العمل على الحياة و المستقبل.و الغش بالإضافة إلى ما ينتج عنه من ضعف في التحصيل الأكاديمي، هو سلوك خلقي فاسد ينم عن نفس غير أمينة أو غير سوية لا يرقى صاحبها للاضطلاع بأية مهمة تخدم المجتمع كيفما كان نوعها سياسية أو إدارية أو اجتماعية أو تربوية . فالمرتبة التي ينالها الشخص عن طريق الغش بأي شكل من الأشكال هي في الأصل شهادة زور، وعلى حاملها إثم شاهد الزور، ومن ثم فإن أي وظيفة ينالها أو مال يحصل عليه بناء على هذه الشهادة المزورة فهو باطل بالنسبة له.أما بالنسبة للمجتمع فتجنيه عليه أكبر والوزر أثقل لما ينتج عن ذلك من عواقب وخيمة تتجلى في تدن المستوى التعليمي وفقدان الثقة في الشهادات، و التشكيك في مقدرات حامليها، وانحطاط الأخلاق وتدنيها، وبعث اليأس والقنوط في نفوس الناس المثابرين والمجدين في صمت. ويصدق على هؤلاء الغشاشين قول الشاعر الأندلسي ابن رشيق القيرواني: ألقاب مملكة في غير موضعها........ كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد وعلى الرغم من خطورة ظاهرة الغش، إلا أنها لم تحظ بالدراسة والتحليل اللازمين من لدن المختصين والمهتمين بالمنظومة التربوية بالبلدان العربية. ولا ريب أن التهاون في مكافحة الغش بجميع تجلياته على المدى الطويل قمين بإحداث ثغرات متفاوتة الخطورة في المنظومة التعليمية والتي هي على ارتباط وثيق بالبناء الحضاري للمجتمعات. إن ظاهرة الغش، بوصفها شكلاً من أشكال الخيانة، تتعارض مع قيمة الأمانة: أم الفضائل الإنسانية التي يجب على الفلسفة التربوية العمل على تحقيقها وترسيخ أبجديتها وأسسها في الوسط التعليمي. و المتمعن بعمق في هذه الظاهرة يكتشف أن محرّكها الأساسي هو وهن في الأسس الأخلاقية واضمحلالها. إذ بقدر ما تتقلّص وتضمحلّ الأخلاق بقدر ما يتزايد الغشّ والغشاشون في أي مجتمع. فلا جدوى من علاج لهذه الظاهرة لا يأخذ بعين الاعتبار مبدئيا البعد الأخلاقي لكونه يعتبر النواة الأساسية لإقامة البناء على أرضية ثابتة. ولقد صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال إن لم تستحي فاصنع ما شئت.