يعتبر داء السكري أو مرض السكر من الأمراض الشائعة بين البشر؛ حيث أظهر إحصاء أعلنته الجمعية العالمية لمرضى السكر في العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخرًا أنه يوجد في العالم حالياً 143 مليون مصاب بالسكري في جميع أنحاء العالم، منهم 110 ملايين في دول العالم الثالث، وأن هذا الرقم سيتضاعف حتى عام 2025 أكثر من مرتين؛ نظرًا للاعتماد على أنظمة غذائية غير صحية وعدم ممارسة الفعاليات الرياضية.
وهناك ما يقرب من 16 مليون أمريكي يعانون من مرض السكري، بينما في ألمانيا خمسة ملايين مصاب. وفي بريطانيا نحو مليون شخص يعانون من مرض السكري دون أدنى علم منهم بذلك. ويوجد في مصر أكثر من 6 ملايين مصاب بالمرض، ويقدر عدد المصابين حاليًا بالسكري في الخليج بنحو 1,5 مليون مصاب.
والسكري له آثار سيئة صحيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، فآثاره الصحية المدمرة تشمل القلب والكليتين وشبكية العين والأعصاب المركزية والطرفية. ويعتبر السكري السبب الأول لبتر الأطراف غير الناتج عن الإصابة بحوادث السيارات أو غيرها من الحوادث.
ويعتبر مرض السكري داء مكلفًا جدًّا على الصعيد الاقتصادي، فمريض السكري يحتاج إلى متابعة دائمة وزيارات متكررة للعيادات والمراكز الطبية، ويحتاج إلى أجهزة قياس للسكر في الدم، وأدوية مختلفة لعلاج المرض أو علاج ما قد ينجم عنه من مضاعفات.
طرق جديدة لعلاج السكري
بدأت الأبحاث العلمية تتسابق لإيجاد علاج حاسم للمرض، ورغم أن هناك العديد من العائلات التي ينتشر السكر بين أفرادها، فإن الوراثة لم تَعُد القدر المحتوم الذي لا فكاك منه.
1 - علاج مريض السكر بالأعشاب:
مرض السكري من الأمراض التي يعالجها الغذاء المتوازن الصحي أكثر من العقاقير الكيميائية، لدرجة أن بعض الأطباء يرون أن الحياة مع مرض السكر والغذاء السليم وممارسة الرياضة أفضل بكثير من الحياة مع أمراض أقل خطورة وغذاء غير متوازن. ولقد أثبتت الأبحاث إمكان التحكم في مرض السكري بالأعشاب.
أ- القرفة علاج للسكري: يقول العلماء بمختبرات التغذية التابعة لمؤسسة الأبحاث الزراعية الأمريكية في ولاية "ميريلاند" الأمريكية: إن مادة تستخرج من القرفة التي تستخدم عادة في الطهي قد تساعد الجسم على التعامل مع المواد السكرية بشكل أكثر فاعلية في البالغين؛ حيث وجدوا أن مادة مستخلصة من نبات القرفة تدعى (أم. أتش. سي. بي)، بإمكانها إعادة تفعيل الخلايا التي توقفت عن الاستجابة لهرمون الإنسولين بحيث تجعلها أكثر استجابة للهرمون المذكور، وقد وجد الباحثون أن القرفة تزيد من نسبة معالجة السكري 20 مرة، وأثبتت التجارب التي أجريت على الفئران فعاليتها في خفض نسبة السكر في الدم.
نصح "ريتشارد أندرسن" المصابين بالإكثار من استخدام القرفة في غذائهم، ونصح مرضى السكري بتناول ربع ملعقة إلى ملعقة كاملة من مادة القرفة يوميًّا.
ومن جهتها حذرت متحدثة بلسان هيئة مرض السكري الخيرية في بريطانيا من ذلك، وقالت: إنه من المبكر توجيه نصيحة كهذه.
ب- علاج السكري بعشب روح الأرض: اكتشف العلماء أن نبات روح الأرض، أو "الجينسينج"، يمكن أن يستخدم كعلاج لمرض السكر، ويعتبر "الجينسينج" أكثر الأعشاب استخدامًا في العالم، وهناك عدة أنواع مثل النوع الياباني والصيني والأمريكي. ووجد العلماء أن هذا النوع من الأعشاب إذا ما أخذ قبل الطعام فإنه يقلل من نسبة السكر في الدم. وقال كبير الباحثين الدكتور "فلاديمير فوكسان": إن نتائج هذا البحث قد يكون لها آثار كبيرة في علاج داء السكري والوقاية منه.
ورغم أن النتائج تبدو مشجعة، فإن مساعد رئيس الأبحاث في شعبة علوم التغذية في جامعة "تورنتو" قال: "إنه ليس من الحكمة أن يبدأ الناس باستخدام هذه الأعشاب؛ بهدف السيطرة على نسبة السكر في الدم قبل إجراء المزيد من البحوث، فلا أحد يعلم التأثيرات الطويلة الأمد لاستهلاك "الجينسينج"، حيث لا توجد معايير موحدة فيما يخص الأعشاب.
2 - الأنسولين عن طريق الاستنشاق:
يبدو أن استنشاق الإنسولين سيكون هو الطريقة الجديدة لتعاطي الإنسولين في المستقبل القريب؛ حيث نجح العلماء في ابتكار آلة تستخدم لاستنشاق الإنسولين، ويأمل العلماء في أن يتمكن مرضى السكري من استنشاق جرعاتهم اليومية من الإنسولين الذي يتم امتصاصه من الأغشية المخاطية المبطنة للفم والحلق وتحت اللسان إلى الدم.
وتقول دراسة طبية أمريكية، نشرت في مجلة "لانسيت" الطبية: إن مريض السكر سيحتاج إلى ثلاث جرعات استنشاق يوميًّا إلى جانب أخذ حقنة واحدة قبل النوم، ومن المنتظر أن تتم الموافقة عليها في خلال العام القادم.
3 - زراعة البنكرياس:
أثبتت الأبحاث أن مضاعفات السكر من النوع الأول، لا يمكن تجنبها من خلال تناول الإنسولين على المدى الطويل.
ولحل المشكلة السابقة حاول الأطباء استزراع البنكرياس أسوة بعمليات نقل الأعضاء التي أثبتت نجاحها في علاج الكلى والقلب، كما برزت وسائل أخرى لاستزراع خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين، في الغشاء البريتوني أو الكبد، فضلاً عن تجارب لإعطاء العقاقير المضعفة للجهاز المناعي، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى حل جذري وهو استنساخ كامل لبنكرياس جديد؛ بحيث يتم استبدال البنكرياس المعطوب، بآخر سليم يكون حاملاً لخلايا نشيطة ومحصِّنًا ضد الهجوم المناعي في الجسم؛ ليصبح هذا العضو المهم في الجسم أداة لإنتاج الإنسولين طبيعيًّا دون الحاجة إلى حقن أو أقراص أو استنشاق الإنسولين.
أعلن الباحثون في جامعة "ميامي" بالولايات المتحدة في شهر يونيو من العام الماضي عن نجاحهم في زراعة خلايا "لانجرهانز" التي تفرز الإنسولين في ستة من القرود المصابين بالسكري بنجاح، مما مكّنهم من الاستغناء عن الإنسولين لمدة عام كامل، وكان الشيء الجديد في هذا البحث هو الوصول إلى دواء يستطيع أن يحمي خلايا البنكرياس من اللفظ أو الطرد بواسطة الجهاز المناعي للجسم، دون الحاجة إلى استخدام الأدوية المثبّطة لجهاز المناعة التي يجب أن تؤخذ مدى الحياة.
وبعد ذلك نجح الجرّاح "جيمس شابريو" الطبيب البريطاني المولد والباحث في جامعة "ألبرتا" في كندا، في استخلاص خلايا "لانجرهانز" التي تفرز الإنسولين في البنكرياس من أشخاص متوفّين، وقام بزراعة هذه الخلايا عن طريق حقنها في الوريد البابي للكبد لثمانية مرضى بالسكري منذ أكثر من عام، وما زالوا يعيشون حياة طبيعية مثل أي شخص عادي ولم تلفظ أجسامهم الخلايا، ويعيشون بدون إنسولين خارجي وبدون الحمية الغذائية الخاصة بمرضى السكري، وقد تم نشر هذا البحث في مجلة:
New England Journal of Medicine.
وطوّر الدكتور "شابيرو"، هذا الأسلوب بعد ذلك، بأخذ مجموعات من خلايا "لانجرهانز" من متبرع صحيح الجسم ليتم زرعها في كبد مرضى السكري، وتستغرق عملية الزرع نحو نصف يوم، ويقول الدكتور "شابيرو": إن العلاج الثوري الجديد ليس خاليًا من المخاطر، كما أنه ليس مناسبًا لجميع مرضى السكري، لكن من ضمن المستفيدين الأكثر أولئك الذين يعانون من حدة المرض أكثر من غيرهم.
ومن المتوقع أن يضع هذا العلاج نهاية لحقن الأنسولين اليومية المزعجة، وتأمل جمعية السكري البريطانية، بالتعاون مع جامعة "ليستر"، في القيام بتجارب لاختبار هذا العلاج الجديد في سبعة مراكز في جميع أنحاء البلاد، وبكلفة أولية تقدر بنحو ثلاثمائة ألف جنيه إسترليني.
4 - العلاج الجيني لمرض السكري:
بما أن عمليات زرع البنكرياس لها الكثير من المضاعفات الجانبية، التي من أهمها لفظ العضو المزروع، أو استخدام الأدوية المثبطة للمناعة مدى الحياة؛ لذلك فإن العلاج الجيني يحمل الأمل في إيجاد العلاج الجذري لمرضى السكر الذي يوصف أحيانًا بالقاتل الصامت من خلال تطور تقنيات العلاج الجيني، خاصة النوع الأول المعتمد على الإنسولين.
ولقد توصل علماء الهندسة الوراثية في بلجيكا إلى اكتشاف مهم تمثل في تحديد الجينات المسئولة عن الإصابة بالنوع الثاني من السكري، وعددها يتراوح ما بين 5 إلى 10 جينات.
ويقول هذا الفريق من العلماء: إن هذه الجينات إذا كانت مختلّة فإنها تعمل على وقف عملية إنتاج هرمون الإنسولين الذي يتحكم في معدل السكر في الدم، كما تبين أن من يحملون هذه الجينات، تقاوم أجسامهم الإنسولين، فإذا أمكن إنتاج عقار، يسيطر على هذه الجينات أو أن يتم استبدالها بجينات سليمة في المستقبل، فذلك يعني الاقتراب من الهدف الكبير وهو الخلاص من هذا المرض.
ويعتقد فريق من العلماء أن الجينات المسؤولة عن إنتاج الإنسولين، قد تصاب أحيانًا بنوع من العجز عن إكمال مهمتها بسبب الإفراط المتزايد في تناول الطعام. كما أن النوع الأول من السكر الوراثي، المعتمد على حقن الإنسولين، يمكن اعتباره من أمراض المناعة الذاتية، وهنا يمكن استخدام ما يوصف بالمنشطات الجينية لحفز هذه الجينات على مضاعفة نشاطها، والمنشطات الجينية قد تكون جينات إضافية، قادرة على حفز أو استثارة الجينات الأصلية، على مواصلة العمل رغم ما تنوء به من عبء من جراء ثقل الطعام المتراكم.
وفي جامعة "كالجاري" أعلنت د. "أيرين وانك" أستاذ علم الأبحاث الإكلينيكية الوراثية، أنها نجحت في هندسة الكبد وراثيًّا، لكي يقوم بوظيفة الخلايا التي تفرز الأنسولين في البنكرياس، وذلك من خلال حقن الجين الذي يصنع مادة برو إنسولين - وهي المادة البادئة التي تتحول إلى إنسولين، بواسطة أنزيمات البنكرياس في الكبد مع أحد الجينات المنظمة للجلوكوز في خلايا الكبد. ومن المثير حقًّا أن الكبد المهندس وراثيًّا أنتج بالفعل الإنسولين في حيوانات المختبر.
كما أعلن بعض العلماء أنهم استطاعوا إنتاج الإنسولين باستخدام تقنيات العلاج الجيني في أماكن أخرى في الجسم، بخلاف البنكرياس. ولكن المشكلة الرئيسة التي تواجه العلماء هي القدرة على التحكم في إفراز الإنسولين بحيث يفرز حسب كمية الجلوكوز الموجود في الدم، بنفس الدقة والتوازن الذي يقوم به البنكرياس. وتعتقد الدكتورة "أيرين وانك" أن ذلك ممكن في حالة استخدام جين آخر للقيام بهذه المهمة، وسوف تكون هذه هي الخطوة الكبرى القادمة، من أجل الوصول إلى علاج نهائي لمرض السكر.
كما تمكن العلماء من استخدام الهندسة الجينية في الفئران لتحضير إنسولين إنساني في الأمعاء، في خطوة يمكن أن تؤدي في يوم من الأيام إلى استغناء المصابين بداء السكري عن حقنات الإنسولين المنتظمة. وركّز فريق الباحثين اهتمامه على خلايا "كيه" المعوية، التي تتجاوب مع جلوكوز الدم، وقاموا بإدخال جينات تستطيع فرز الإنسولين إلى الخلايا "كيه" في الفئران بطريقة الهندسة الجينية، وتبين لهم أن الحيوانات تمكنت من إفراز الإنسولين في أمعائها، كما أن الفئران التي لم تتمكن من إفراز الإنسولين ظلت محتفظة بمستويات عادية للسكر في الدم بعد خضوعها للعلاج الجيني